وطنية - عقد وزير الصحة العامة الدكتور جميل جبق لقاء مصارحة موسعا ومفتوحا، جمع أصحاب المستشفيات الخاصة ومدراءها ومدراء المستشفيات الحكومية، في حضور رئيس دائرة العناية الطبية في وزارة الصحة الدكتور جوزف الحلو ومدير مكتب وزير الصحة الدكتور حسن عمار، تم خلاله التداول في الخطة التي ينوي الوزير جبق اعتمادها لإعلاء شأن القطاع الإستشفائي في لبنان، واستمع إلى ملاحظات الموجودين وهواجسهم.
وقال الوزير جبق: "ان اللقاء مع الحاضرين يأتي في ظل قناعة راسخة مفادها أنه من دون القيمين على المستشفيات والعاملين فيها لا إمكان لوجود وزارة الصحة في لبنان"، مشددا على أمرين، "تعزيز التعاون مع قطاع الإستشفاء الخاص الذي يشكل شريكا أساسيا، وتقوية قطاع الإستشفاء العام". وأكد أن "لا غنى عن قطاع الإستشفاء الخاص لا حاضرا ولا مستقبلا"، لافتا إلى أن "ما شهده خلال الجولات الأخيرة التي قام بها على المستشفيات الحكومية كشف ما تعانيه هذه المستشفيات من نواقص وخلل كبير".
الأسقف المالية
وأعلن وزير الصحة العامة أنه "بصدد التحضير للأسقف المالية بما يحقق تغطية كل الشعب اللبناني ضمن الإمكانات الموجودة، وذلك مع المحافظة على الأسقف المالية للمستشفيات الخاصة كما هي عليه، وسط توجه لرفع الأسقف المالية للمستشفيات الحكومية". وأوضح أن لديه مشروعا بأن يكون السقف المالي لكل المستشفيات الحكومية في لبنان مفتوحا، معتبرا أن "هذه المستشفيات تعني وزارة الصحة والدولة اللبنانية ومن غير المقبول أن يأتي مريض إلى هكذا مستشفى من دون أن يكون لدى المستشفى سقف مالي، ساعتئذ لا نعود موجودين في دولة ولا تعود المستشفى مستشفى حكوميا".
واكد "ان المستشفيات الخاصة في لبنان كانت ولا تزال وستبقى واجهة لبنان"، مؤكدا رغبته التعاون مع المستشفيات، وطالبها "بكل شفافية وصراحة ألا يرضخ أي مستشفى خاص لأي ضغط قد يتعرض له من أي مرجعية أو تنظيم سياسي من أجل الموافقة على إدخال مريض إلى المستشفى، في وقت لا يكون هذا المريض بحاجة طبية إلى الدخول"، معتبرا ان "وكل فاتورة استشفائية تؤخذ من ميزانية المستشفى ومن سقفها المالي يحول في كثير من الأحيان دون إدخال المرضى المستحقين". وقال: "ان وزارة الصحة العامة تريد أن تعطي الأموال للمستحقين فقط، وهذا أمر مهم جدا".
العقود
وتناول الوزير جبق العقود بين وزارة الصحة والمستشفيات الخاصة، وقال: إن هذه العقود تعني أنه يحق لوزارة الصحة أن تدخل مريضا إلى المستشفى المتعاقدة معها على نفقتها، ولكننا نرى أن مستشفيات جامعية كبيرة عدة ترفض إدخال مريض إلى المستشفى على نفقة وزارة الصحة بحجة عدم وجود مكان واستنزاف السقف المالي وعدم قبض المستحقات المالية".
أضاف: "ثمة استنسابية بإدخال المرضى، فإذا لم يكونوا يريدون تنفيذ العقد الموقع مع وزارة الصحة فإن الوزارة ستعمد إلى فصل العقد ونقل السقف المالي إلى مستشفى آخر بالمواصفات نفسها وموجود في المنطقة نفسها".
وتابع: "هناك أشخاص مستحقون لا قدرة لهم على الدخول إلى المستشفيات الخاصة، كما أن المستشفيات الحكومية غير مجهزة في المناطق الريفية. فماذا سيحصل بهؤلاء؟ في عكار مثلا ليس من مستشفى حكومي مجهز لعلاج من يصاب بذبحة قلبية، إذ على هذا الشخص التوجه إلى طرابلس للعلاج الذي قد يتأخر ولا يحصل عليه. كذلك يحصل هذا الأمر في الهرمل التي يفصل بينها وبين بعلبك 60 كلم، ما يؤدي إلى وفاة الناس على الطرقات. لذا، من المهم جدا أن نتعاون بشكل وثيق مع المستشفيات الخاصة الموجودة في هذه المناطق".
وقال: "أقر بأن المستشفيات الخاصة تعاني من وجع كبير متصل بالمستحقات المالية التي لم تقبضها. وآمل أن يتم في وقت قريب وفور إقرار الموازنة العامة أن تقبض المستشفيات أموالها بشكل شبه كامل إن لم يكن بشكل كامل".
وجدد التأكيد أنه "حاضر لأي نوع من الدعم الذي يمكنه تقديمه لرفع المستوى الإستشفائي المتقدم أصلا في لبنان، إلا أنه يعاني من بعض الشوائب".
استغلال المرضى العراقيين
وأبلغ الوزير جبق الحاضرين أنه بصدد التحضير لمشروع توقيع عقود مع بعض الدول الموجودة للإستشفاء في لبنان، ما سيزيد عدد المرضى الأجانب الذين يأتون إلى لبنان للطبابة، مشيرا إلى أنه تبلغ من السفير العراقي في لبنان أن حوالى خمسمئة ألف مريض عراقي كانوا يأتون إلى لبنان للطبابة. ولكن هذا العدد تراجع السنة الفائتة إلى مئتين وخمسين الفا. وقد أوضح السفير العراقي ان تراجع العدد يعود إلى ما تعرض له كثيرون من غش في العلاج في العمليات الجراحية، وما طلب منهم من مبالغ خيالية وفواتير باهظة".
وسأل وزير الصحة: "هل يمكن أن تكون كلفة عملية المرارة لمريض عراقي خمسة عشر ألف دولار؟ وهل من المعقول أن يقول طبيب لمريض عراقي إنه يقوم بمحاسبة كل فواتيره شرط الحصول على مبلغ مسبق قدره عشرة آلاف دولار؟". وأكد أن "حماية القطاع الإستشفائي وإعادة الثقة بالقطاع يتطلب الإمساك بالأمور". وأعلن أنه "بصدد إعداد مشروع مع وزير الصحة العراقي يتناول إيجاد حل لمسألة المبالغ المستحقة للمستشفيات اللبنانية مع وزارة الصحة العراقية والبالغة حوالى خمسة ملايين ونصف مليون دولار. وقد تبين أن هذه المبالغ مطابقة والفواتير مستحقة".
وقال: "إن عدم تكرار ما يحصل سواء بالنسبة للمستشفيات اللبنانية أم المرضى العراقيين يمكن إيجاد حل له، أولا عبر اتفاق مع وزارة الصحة العراقية بحيث تقبض المستشفيات اللبنانية مباشرة مستحقاتها لدى استقباله المرضى العراقيين الذين يعملون في القطاع العام، وذلك من خلال فتح ميزانية بين وزارتي الصحة في البلدين، على أن يتم التدقيق في الفاتورة والحساب عن طريق وزارة الصحة اللبنانية".
هارون
ثم تحدث نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة سليمان هارون، متمنيا "عدم معالجة ما يعاني منه القطاع الإستشفائي بجزئيات، بل أن يتم أخذ الأمور بنظرة عامة". وقال: "ان المستشفيات الحكومية والخاصة تكمل بعضها البعض، ولكن في حال تمت زيادة السقف المالي للمستشفيات الحكومية فقط فإن هذا الأمر لن يحل المشكلة العامة في البلد، بل يجب زيادة موازنة الإستشفاء بحيث تبلغ حوالى 600 مليار ليرة لبنانية، فيما المتوفر حاليا هو بحدود 465 مليارا وهو غير كاف".
اضاف هارون: "بالنسبة للمرضى العراقيين، فمن المؤكد أن المستشفيات اللبنانية لم تستقبل على الإطلاق 250 ألف مريض عراقي السنة الماضية، بل قد يكون هؤلاء قد توجهوا إلى المراكز الطبية والعيادات ومراكز التجميل وتعرضوا لسماسرة. لذا من المؤكد أن هذا النوع من الإستشفاء يحتاج إلى تنظيم وتوقيع عقود بين المستشفيات والجهات الضامنة للعراق".
رد جبق
وتعليقا على كلام هارون كرر وزير الصحة أنه "لا يريد التقليل من قيمة المستشفيات الخاصة في لبنان على الإطلاق، بل إن ما يريده هو التعاون معها خصوصا وأن خمسة وثمانين في المئة من القطاع الإستشفائي في لبنان هو قطاع خاص وجزء لا يتجزأ من عمل وزارة الصحة، ولذلك هو حريص على المحافظة على الأسقف المالية لهذه المستشفيات ولا يريد الإنتقاص منها. إنما من حق وزارة الصحة أن تسعى لضمان نمو المستشفيات الحكومية. وقال: "في حال برزت حاجة لزيادة الأسقف المالية للمستشفيات الخاصة فسيتم وضع تحويل خاص يضاف على السقف المالي في حال الإضطرار لإدخال مريض يعاني من حالة معينة".
وبالنسبة إلى ميزانية وزارة الصحة العامة، أوضح أن التقرير المالي عن سنة 2017-2018 يظهر أن العجز يقدر ما بين خمسين مليارا وخمسة وسبعين مليارا، مشيرا الى أنه تقدم بطلب زيادة ميزانية وزارة الصحة مئة مليار ليرة لبنانية، إضافة إلى المبلغ الموجود. فإذا تم القبول بهذه الزيادة يصبح دخول كل المرضى اللبنانيين متاحا إلى المستشفيات. لكن الحصول على هذه المئة مليار الإضافية دونه عقبات، ونحن نسعى للإتفاق مع كل الكتل النيابية الموجودة ومع وزارة المالية في مجلس الوزراء من أجل تطبيق مشروعنا الذي يتمحور حول تأمين حاجة كل مريض للدخول إلى المستشفى".
وعن موضوع المرضى العراقيين، لفت إلى أنه يتكلم كلاما مسؤولا من دولة إلى دولة وهناك مقاضاة لمستشفيات في النيابات العامة.
حوار
وكان حوار مع الحاضرين الذين طرحوا أسئلة وهواجس تتناول الإستفسار عن إبقاء الأسقف المالية مفتوحة للمستشفيات الحكومية، إضافة إلى المطالبة بالإسراع بدفع المستحقات المالية وتشديد الرقابة على آلية دخول المرضى والنظر بالتعرفة والإهتمام بمستشفيات الفئة الثانية.
وأوضح الوزير جبق "ان قرار إبقاء الأسقف المالية مفتوحة للمستشفيات الحكومية أتى بناء على دراسة لأوضاع المستشفيات الحكومية في المناطق في ضوء حاجتهم الإلزامية"، وقال: "قررنا تغطية العجز الذي تعاني منه هذه المستشفيات. أما الأموال فهي موجودة، ولكن هناك سوء توزيع لها. فنحن نعيد جدولة السقوف المالية للمستشفيات الحكومية مع الوفر الموجود في وزارة الصحة والذي لم يوزع، وسيصار إلى توزيعه الآن بموجب ما يمكن وصفه بحل مبدئي وسريع. لن نأخذ من أي مستشفى لنعطي مستشفى آخر بل سنستعمل الوفر الموجود".
اضاف: "في حال حصلنا على المئة مليار ليرة التي طلبناها، فإن كل المستشفيات الحكومية والخاصة ستحصل على ما تحتاج إليه. ونأمل تحقيق هذا المشروع الذي يعني كل لبنان بأحزابه وطوائفه ومناطقه كافة. ففي الطب لا يمكن تطبيق مبدأ 6 و6 مكرر، بل نحن نريد تأمين الطبابة للجميع دون تفرقة"، مؤكدا "ان الدولة اللبنانية معنية أن تؤمن الطبابة لكل مواطن لبناني ومحتاج في لبنان".
ووعد الوزير جبق "بايجاد حل لتأمين مستحقات المستشفيات ولو كان الأمر يتطلب وقتا، لأنه لا يمكن حل أمور متراكمة بسرعة كبيرة"، وقال: "إنني لا أملك فانوسا سحريا، وهذه الأمور من الواجب علينا وعليكم أن نجد حلولا لها".
مذكرة للتأمين الإلزامي
وأعلن الوزير جبق أنه سيوجه مذكرة إلى كل من وزارتي الداخلية والإقتصاد، "لأنهما معنيتان بالتأمين الإلزامي الموجود على السيارات والدراجات النارية في لبنان"، وقال: "إذا تبين أن من تعرض لحادث سير وليس مؤمنا إلزاميا لن تعمد وزارة الصحة، وهذا الأمر سيتم التأكيد عليه بالنص بشكل رسمي، إلى تأمين علاجه الذي قد يكون معقدا ومكلفا في غالبية الأحيان ومستهلكا لفاتورة الإستشفاء"، لافتا إلى أنه "في حال عدم التجاوب مع التصديق على هذه المذكرة، سيصار إلى التحضير لاقتراح نيابي ينص على دفع رسم تأمين لوزارة الصحة لدى إجراء رسوم الميكانيك، وهذا يؤمن لوزارة الصحة كلفة تغطية الحوادث".
ورأى وزير الصحة العامة "أن مشكلة النزوح السوري تفاقم من ضيق الأمكنة في المستشفيات اللبنانية الخاصة والحكومية"، مكررا القول أن ليس لديه فانوسا سحريا لحل كل المشاكل، إنما بالتعاون يمكن حل أكثر من خمسين في المئة من المشاكل الموجودة، واعدا بلقاءات مستقبلية مع الجهات الضامنة.