حول دور وزارة الصحة العامة وأهمية موقع الوزارة على الإنترنت
لقد كانت وزارة الصحة العامة من أولى المؤسسات في لبنان التي بادرت إلى إستحداث موقع لها على شبكة الإنترنت في منتصف التسعينات. وكان التركيز في البداية على نشر المعلومات المتعلقة بالمعاملات الإدارية في وزارة الصحة العامة لتمكين المواطن من معرفة المسؤول عن معاملته والمستندات المتوجب عليه تقديمها والمدة اللازمة لانجاز المعاملة وغير ذلك من المعلومات التي توضح له حقوقه وواجباته وتسهل له اموره. وتجدر الإشارة إلى أن العلاقة مع المواطن لا تقتصر على المريض المحتاج لخدمة طبية بل تطال اصحاب المهن الصحية المتوجب حصولهم على إذن لممارسة المهنة ( أطباء، صيادلة، أطباء أسنان، ممرضات، معالجين فيزيائيين،…) والمؤسسات التي تحتاج إلى تراخيص انشاء وإستثمار (مستشفيات، صيدليات، مختبرات، معامل ومستودعات أدوية….) والمستوردين الطالبين إجازات إستيراد ( أدوية، مواد طبية، مياه، مرطبات،….) وغيرها. هذه المهام تعطي بعض الأمثلة عن الدور التنظيمي لوزارة الصحة العامة، وتوضح أهمية إطلاع أصحاب المصالح على الشروط المطلوبة وآلية انجاز معاملاتهم.
لقد بذلت هذه الوزارة جهوداً كبيرة لتعزيز قدراتها التنظيمية، وحققت نجاحاً نسبياً بالرغم من الصعوبات المرتبطة بالوضع الإداري العام. إن الضمانة الأساسية لإستقامة الأمور إن في أجهزة الدولة أو في مؤسسات القطاع الخاص هي المواطن الواعي الذي يدرك واجباته وحقوقه، فيقوم بما هو مطلوب منه وفقاً للقانون، ومن ثم يطالب بحقه كاملاً دون منّة من أحد. وإنطلاقاً من قناعتنا بأهمية هذا الدور، أصدرت الوزارة دليلاً يوضح للمواطن من ناحية ما يتوجب عليه إتمامه للتقدم بطلبه، ومن ناحية أخرى ما سيؤول إليه هذا الطلب وضمن أية مهلة وهو منشور على هذا الموقع.
أما اليوم فلقد تم تطوير هذا الموقع الإلكتروني تقنياً ليصبح أكثر جاذبية وليسهل الحصول على المعلومات التي باتت تتخطى المعاملات الإدارية في الوزارة لتطال القطاع الصحي بشكل عام . وذلك يشمل على سبيل المثال، المؤسسات الضامنة والمؤسسات الصحية العامة والخاصة والموارد البشرية وإستهلاك الخدمات الطبية وجودتها وكلفتها. يوفر هذا الموقع مثلاً المعلومات حول توزيع المؤسسات الصحية والمستشفيات المتعاقدة مع الوزارة وشروط الإستفادة من التغطية. كما يستطيع الطبيب الحصول على النماذج المعتمدة للإستشفاء وصرف الدواء من الوزارة وتلك المتعلقة بالإبلاغ عن الأوبئة. كما يمكن الإطلاع على الدراسات الصحية ومعايير تقييم المستشفيات على أساس الإعتماد ونتائجه. ويستطيع الباحث ايضاً الإستفادة من الإحصائيات الصحية والإطلاع على المقالات العلمية المتعلقة بالصحة. ويأتي تحديث موقع الأنترنت للوزارة في سياق تعزيز العلاقة وتسهيل التواصل مع المواطن وجميع الشركاء في القطاع الصحي من مؤسسات صحية وإستشفائية وجهات ضامنة ومهنيين طبيين وصحيين. كما يشكل هذا الموقع نافذة تطل على الوزارات الأخرى والمنظمات الصحية الدولية والإقليمية والمحلية.لقد أثبتت الدراسات التي أجرتها وزارة الصحة العامة خلال السنوات العشر الماضية أهمية دور القطاع الخاص في تقديم خدمات صحية متفوقة للمواطنين، أكان ذلك من قبل مؤسسات تتوخى الربح في مجالات التشخيص والإستشفاء والصيدلة أم من قبل مؤسسات القطاع الأهلي في مجال الرعاية الصحية الأولية. كما أكدت هذه الدراسات بأن القطاع الخاص في دولة تعتمد نظام الإقتصاد الحر غير المنظم، يدفع بالقطاع الصحي إلى زيادة غير مبررة في إستهلاك خدمات مرتفعة الكلفة وقليلة المردود على صعيد الصحة العامة.
تلعب وزارة الصحة العامة دوراً هاماً في مجال التمويل الصحي بغية ضمان إيصال الخدمات إلى الجميع، مع التركيز على الفقراء والفئات المستضعفة تحقيقاً لمبدأي العدالة والإنصاف. وبالرغم من أهمية دور وزارة الصحة العامة في مجال تغطية الإستشفاء للمواطنين وتقديم العلاجات المتطورة للمصابين بالأمراض المستعصية، فإننا نعتبر هذه المهام طارئة على دور الوزارة الأساسي وناتجة عن عدم شمول الضمان الإجتماعي جميع المواطنين، وعدم تغطيته جميع الخدمات الطبية الضرورية. فلا بد من تعميم الضمان الصحي الإجتماعي على جميع المواطنين بحيث يساهم كل مواطن وفق إمكاناته، فتُجمَع المخاطر وتُوزَّع التكاليف وتُؤَّمن الحماية وهي حماية مالية وليست صحية. إن الضمان الصحي يحمي المواطن من الخسائر المالية عند تعرضه للمرض ولا يحميه من المرض. لذلك يجب ان تقتصر مهام الوزارة على رعاية هذه الوظيفة المالية وليس القيام بها. علماً أن الدور الأساسي للوزاة يقضي بالحفاظ على الصحة العامة وتعزيزها إضافة إلى تنظيم القطاع الصحي ككل.
لقد قامت الوزارة في السنوات الأخيرة ببناء قدراتها المؤسساتية واعتماد آليات تنظيمية فعّالة ومتطورة، نذكر منها على سبيل المثال: تقييم المستشفيات على أساس الإعتماد، تنظيم العَرض بواسطة الخارطة الصحية، بناء قاعدة المعلومات الموحدة للمستفيدين من الصناديق الضامنة وغيرها... أما تعزيز صحة المواطنين فيعتمد بشكل أساسي على الرعاية الصحية الأولية حيث يتوجب على وزارة الصحة توظيف إمكاناتها المتاحة دون أن يعني ذلك بالضرورة قيام القطاع العام بإمتلاك المستوصفات والمراكز الصحية وتقديم الخدمات، كون فلسفة الرعاية الصحية الأولية تركّز على مسؤولية المجتمعات المحلية ومشاركتها الفعلية. إلاّ أن دور الدولة في هذا المجال تحديداً لا يقتصر على الإشراف والتنظيم بل يشمل الدعم المباشر بكل أشكاله، حيث يعتبر الإنفاق مجدياً أكثر من أي مجال آخر نظراً لمردوده الكبير على تحسين المستوى الصحي للمواطنين وإلغاء الفروقات بين المناطق. ويكتسب دور الدولة شرعية وأهمية أكبر على هذا المستوى لارتباط الصحة الوثيق بالفقر والإنماء.لنا في وزارة الصحة تجربة هامة مع القطاع الأهلي مبنية على علاقة متينة بلغت مستوى الشراكة الحقيقية، من خلال شبكة المراكز الصحية التي تجاوز عددها حالياً المئة مركز. تقدم هذه المراكز الخدمات الأساسية وفقاً للأصول العلمية، المصوغة على شكل دلائل مرجعية تم تدريب الجسم الطبي والطبي المساعد عليها، وضمن ضوابط إدارية محددة بعلاقة تعاقدية مع كل جمعية أهلية لها مركز أو أكثر ضمن الشبكة. كما يتم الإشراف على الشبكة من قبل لجنة مشتركة تضم إلى جانب الوزارات المعنية، ممثلين عن المنظمات الدولية وعن القطاع الأهلي. تتابع هذه اللجنة حسن تنفيذ العقود وترعى عملية التقييم التي تشمل بالإضافة إلى الأداء الإداري، نوعية الخدمات ومستوى رضاء المستفيدين. كما تعمد الوزارة إلى إشراك جميع الشركاء في القطاع العام والمجتمع المدني بغية بناء توافق وإجماع حول القضايا المبدئية والإستراتيجية.
لقد خلصت الدراسات التي قامت بها وزارة الصحة العامة طيلة السنوات العشر الماضية إلى إستنتاج واضح: الإمكانات الكبيرة، من بشرية ومالية ومؤسساتية، الموظفة في القطاع الصحي لا تؤول إلى النتائج المتوخاة في تحسين الأوضاع الصحية لمختلف شرائح المواطنين في مختلف المناطق. مما حدى بوزارة الصحة إلى إطلاق "مشروع إصلاح النظام الصحي" تفرز له زاوية خاصة على هذا الموقع. وهنا لا بد من التعليق على ما يثار حول حجم الإنفاق على الصحة نسبة للناتج المحلي القائم والمقارنات التي تقام بين الدول على أساس ذلك. فإذا كان من البديهي تحديد حدٍ أدنى للإنفاق لا يمكن بأقل منه أن تؤمن الدولة الخدمات الأساسية، الاّ انه برأينا لا يجوز من حيث المبدأ كما أنه لا يمكن تقنياً اعتماد سقف نظري للإنفاق الصحي والإجتماعي. هذا النوع من الإنفاق يدخل ضمن العقد الإجتماعي ويُحَدَد توافقياً بين أركان الدولة والمجتمع المدني ويتفاوت بطبيعة الحال بين بلد وآخر. لذلك ما يمكن إخضاعه تقنياً للتقييم ينحصر بموضوع تناسب المردود مع حجم الإستثمار. لابد من التوقف مرة أخرى عند طلبات المواطنين للحصول على موافقة الوزارة للعلاج في القطاع الخاص، نظراً لعددها الذي يتعدى المئة وخمسين ألفاً كل عام، ولكونها تستهلك معظم إعتمادات الموازنة. على المواطن أن يدرك أن الدولة تتكبد نفقات باهظة لتؤمن له الرعاية الصحية وأنه من حقه، لا بل من واجبه أن يتأكد من حصوله على ما يستحقه من الطبيب ومن المستشفى أكان لجهة الخدمة الصحية الجيدة أم لجهة الإهتمام والإحترام والمعاملة التي تحفظ كرامته. ولقد حرصت الوزارة على أن يذكر في بطاقة الموافقة تفاصيل التغطية بوضوح، وكذلك القيمة المطلوب تسديدها من المريض. لايمكن للموظف مرافقة المريض ليسهر على حسن معاملته ويضمن له الخدمة اللائقة وعدم إستغلاله مادياً، بل يتوجب على المواطن أن يقوم هو بهذا الدور كون المال المدفوع من الوزارة مقابل علاجه هو ماله بالأساس ويجب أن يحصل على المردود المناسب مقابل ذلك.
نعود ونؤكد أن دور الوزارة لا يقتصر على تقديم الخدمات المباشرة للمواطنين وهي بالتأكيد لاتنفرد بهذا الدور، ويجب ان ينظر اليها ايضاً كمنظم للقطاع الصحي وداعم أساسي للمؤسسات والمهنيين العاملين في هذا القطاع. فبالإضافة إلى هدف الوزارة الرئيسي بتحسين الوضع الصحي للمواطنين، هي ايضاً مسؤولة عن تعزيز المؤسسات الصحية عامة كانت ام خاصة والمهنيين الصحيين من أطباء وممرضين وتقنيين وإداريين ورفع مستواهم.إننا ننظر إلى هذا الموقع الإلكتروني كوسيلة إضافية لتصويب الممارسات في القطاع الصحي داخل الوزارة وخارجها وتعزيز الشفافية في التعاطي بين مختلف الفرقاء وتحفيز الأداء المهني وضمان جودته. لانتوقع من هذا الموقع للوزارة ان يكون مكتملاً منذ البداية بل هو مشروع قابل للتطور المستمر وندعو الجميع إلى الإستفادة منه والمساهمة في تطويره.