قرر الوزير ابو فاعور تشكيل لجنة إستشارية مهمتها التحقيق في الأخطاء الطبية
خصص وزير الصحة العامة وائل أبو فاعور المؤتمر الصحافي الذي عقده اليوم في مكتبه في وزارة الصحة للحديث عن موضوع الأخطاء الطبية وما أثاره من جدل واعتصامات وتظاهرات تم تنظيمها على خلفية قضية الطفلة إيللا طنوس التي هزت آلامها مشاعر اللبنانيين، وحركت المياه الراكدة في قضية الأخطاء الطبية وفتحت الملف على مصراعيه.
وأكد أبو فاعور أن وزارة الصحة وانطلاقا من السياسة الإصلاحية التي تعتمدها لن تقبل بإقفال هذا الملف ومن ضمنه قضية الطفلة إيللا على قاعدة التغاضي عما حصل أو على قاعدة استمرار الواقع القائم بل يجب إقفاله على قاعدة وضوح كامل بما يضمن حق المريض اللبناني وكرامته، وحق الطبيب اللبناني وكرامته. وليس صحيحا القول إن وزارة الصحة تضع المواطن اللبناني في مواجهة الطبيب. ولفت وزير الصحة العامة إلى أن دور الوزارة يقوم على رعاية القطاع الصحي وصون حقوق كل المواطنين اللبنانيين سواء كانوا أطباء أم أصحاب مستشفيات أم مرضى.
وكشف الوزير أبو فاعور عن وجود سبع وثلاثين شكوى بأخطاء طبية مسجلة في وزارة الصحة، بعضها مقدم من مرضى وعائلات مرضى متضررين بشكل مباشر، وبعضها مقدم من محامين ومكاتب محاماة وكلاء لمرضى متضررين. وأوضح أن الآلية المعتمدة تقضي بإحالة هذه الشكاوى على نقابة الأطباء التي ترد على الوزارة بإعطاء رأيها بالشكوى، فإن لم تقتنع الوزارة تحيل الشكوى على القضاء الذي يراسل بدوره نقابة الأطباء. وتابع أبو فاعور أن بعض هذه الشكاوى محق وبعضها غير محق، مضيفا أنه يرفض التعميم في شأن وجود أخطاء طبية في كل القطاع الطبي إنما هناك ما يجدر التوقف عنده.
قضية إيللا وحالات أخرى
وتحدث عن مواطن لبناني إلتقى به بالصدفة بالطائرة، أخبره عن تشوه فظيع حصل له بعد خضوعه لعملية شفط دهون، وهو لا يزال منذ أكثر من عشرة أشهر يتابع قضيته ضائعًا بين القضاء والنقابة، من دون أن يدري كيف يحصل على حقه. وأظهر وزير الصحة اللبناني صورًا لبطن الرجل تظهر التشوه الكبير الحاصل له. أضاف أبو فاعور أنه يربأ بنفسه عن إظهار صور أخرى تعود لمواطنة عراقية تعاني بدورها من خطأ طبي كبير.
أما في قضية الطفلة إيللا، فأكد أبو فاعور أن الوزارة لم تتدخل لا من قريب أو من بعيد في توقيف الطبيب أو إخلاء سبيله، متمنيًا ألا تكون قد حصلت أي ضغوطات من قبل أي وزارة على القضاء. أضاف أنه سمع عن طبيب إيللا، عصام معلوف، أنه نزيه وكفوء ومن الأطباء المميزين بعلمهم وأخلاقهم. ولكن هناك أمرًا حصل.
ورفض وزير الصحة العامة ما وصفها بحملة التهويل التي شُنت على وزارة الصحة والقضاء كما الجمعيات العمومية التي تم تنظيمها، معتبرًا أن الأكثر فجورًا كانوا أطباء عندهم ملفات ويدعون الصداقة. أضاف أن المراكز الطبية التي أقفلت إلتزامًا بالإضراب الذي تمت الدعوة إليه، عادت وفتحت أبوابها بعدما تبين أن الإلتزام بالإضراب تسبب لها بخسائر مادية باهظة، ما يدل على أن ما يتحكّم بالكثيرين ممن يعملون في هذا القطاع هو الجانب المادي وليس قسم أبقراط الذي يبدو أنه في مكان آخر.
وفنّد الوزير أبو فاعور ملاحظاته في شأن قضية إيللا. فقال إنه لو تم التعاطي في نقابة الأطباء بقضية إيللا بشكل مختلف لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه، مضيفا أن التحقيق الذي حصل مجتزأ ويجب استمراره. وسأل: لم مُنع والدها من حضور بعض اجتماعات اللجان في نقابة الأطباء، ولم استُحضر محامون قيل إنهم موكلون وهم غير موكلين؟ ولم عرض محامون الحل الحبي على والد إيللا، ولم عُرضت أموال على هذا الأخير، علمًا أن العروض تعددت بين التكفل بالطفلة خمس عشرة سنة وصولا إلى التكفل بها عشرين سنة مع دفع مبلغ يصل إلى مليوني دولار. أضاف أن الوقائع تظهر أن إيللا وصلت إلى مستشفى الجامعة الأميركية بعدما كان أهلها قد أخذوها إلى مستشفى أوتيل ديو. فماذا حصل في هذا المستشفى الأخير؟ هل شمل التحقيق هذه النقطة؟ هل تم التوسع في الأمر؟ وقال أبو فاعور إن ما يعنينا هو حماية المريض وليس طمس القضية.
القانون
واعتبر وزير الصحة العامة أن ما حصل كان عملية تشبيح منظم، إذ بدا وكأن هناك حصانة للطبيب فيما هذه الحصانة غير موجودة. وتوسع وزير الصحة العامة متحدثا عما ينص عليه قانون العقوبات اللبناني، معتبرا أن المادة 564 تشير إلى أن من يتسبب بموت أحد عن إهمال أو قلة احتراز أو عدم مراعاة للقوانين أو الأنظمة يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات. أما في قانون إنشاء نقابة الأطباء فتنص المادة 44 على أنه "عند ملاحقة الطبيب جزائيًا، للنقابة أن تبدي رأيها العلمي خلال خمسة عشر يومًا، ما إذا كان الجرم المدعى عليه ناشئا عن ممارسة المهنة. وفي هذه الحالة، يجرى استجواب الطبيب الملاحق بحضور نقابة الأطباء ومن ينتدبه لهذه الغاية". كما تتابع المادة أنه "لا يجوز التوقيف الإحتياطي للطبيب الملاحق في جرم ناشئ عن ممارسة المهنة قبل أن تبدي النقابة رأيها ضمن المهلة المذكورة أعلاه".
ورأى أبو فاعور أن رأي النقابة في التوقيف أو الملاحقة غير ملزم للقضاء بل هو رأي علمي واستشاري للإستنارة به، إذ إن المادة تنص صراحة على أنه "للنقابة أن تبدي رأيها العلمي"، أما صفة الإلزام فتأتي بصيغة "بعد موافقة نقابة الأطباء" وهذا ليس هو الواقع، ما يعني أن ملاحقة الطبيب جزائيا أمام القضاء تتم سواء أبدت النقابة رأيها أم لم تبده.
وبالنسبة "للتوقيف الإحتياطي، يتوجب على النيابة العامة أو قاضي التحقيق عندما يكون الجرم المدعى به ناشئا عن ممارسة المهنة إبلاغ نقابة الأطباء التي لها أن تبدي رأيها العلمي خلال مهلة خمسة عشر يومًا، ولا يصار إلى توقيف الطبيب في حال وجوب ذلك، إلا بعد انقضاء مهلة الخمسة عشر يومًا على إبلاغ النقابة او بعد ورود جواب النقابة الإيجابي أو السلبي ضمن هذه المهلة".
وكرر أبو فاعور أنه في ضوء النص القانوني، يتبين أن رأي النقابة غير قاطع وغير ملزم، وليس كما افترض البعض في الفترة السابقة أن الأمر يعود للنقابة. وقال إن هذا يسمى تشبيحًا على القضاء وتجاوزًا ومخالفة للقوانين. فإذا اعتقد أحدهم أنه قام بحملة تهويل كبرى على القضاء ووزارة الصحة فيما كنا غائبين عن الإعلام لظروف معينة عن إمكانية التوضيح والرد، فهذا ليس صحيحًا ولن ينفع، لأن القانون هو الذي سيُطبق. فإذا كان لأي جهة كالنقابة أو غيرها، اقتراح بتعديلات، فليتم التقدم بها إلى المجلس النيابي، ونحن في الوزارة لدينا اقتراحات، وبالطبع هي اقتراحات عكسية.
لجنة إستشارية من الوزارة
وتابع وزير الصحة العامة مؤتمره الصحافي قائلا: بما أن التجارب السابقة مع قضايا أحيلت على نقابة الأطباء لم تكن مشجعة، فإن وزارة الصحة قررت تشكيل لجنة إستشارية مهمتها التحقيق في الأخطاء الطبية التي سترد إليها وهي تضم 14 طبيبا من أصحاب الإختصاصات وتم اختيارهم على أساس معيار الكفاءة العلمية والأخلاق، وليس على أساس معايير الطائفية أو الحزبية أو المحاباة. وستعمل اللجنة على إبداء رأيها العلمي بأي شكوى ترد إلى وزارة الصحة قبل إحالة الملف على القضاء.
وإذ أوضح أبو فاعور أنه يحق للنقابة إعطاء رأيها الإستشاري غير الملزم، تمنى أن يحصل تطابق في آراء كل من لجنتي الوزارة والنقابة، فيكون الرأيان أمام القضاء الذي يعود إليه اتخاذ القرار النهائي أو تكليف لجنة إضافية من الخبراء. كما تمنى أن تراقب النقابة عمل اللجنة المشكلة في الوزارة التي يمكنها كذلك مراقبة عمل لجنة النقابة.
وتضم اللجنة كلا من الأطباء: صلاح زين الدين (أمراض صدرية)، بيار أبو خليل (عناية فائقة)، زهير عماد (أمراض الكلى)، آمال منصور (مديرة تمريض)، زياد الراسي (جراحة عامة)، عدنان عواضة (أمراض دماغ وأعصاب)، غسان شهاب (أطفال)، باتريسيا يزبك (طب تخدير)، هادي غانم (طب الأورام الخبيثة)، أنطوان حلو (طب نسائي وتوليد)، غازي زعتري (طب مخبري وأنسجة)، أنطوان قربان (جراحة عامة- أخلاقيات وآداب طبية)، محمد صعب (جراحة قلب).
وأكد وزير الصحة العامة أن هذه الآلية لا تستعدي الأطباء بل تحمي الجيدين منهم وتحمي حق وكرامة الطبيب والمواطن اللبناني.
أسئلة
وردا على أسئلة الصحافيين أوضح أبو فاعور أن أولى القضايا التي ستحال على اللجنة المذكورة هي قضية إيللا طنوس، مشيرا إلى أن تقرير النقابة الذي تم على أساسه توقيف الطبيب، بقي رغم ذلك غامضًا ولا وضوح فيه. والسؤال المطروح عما إذا كانت هذه القضية وما أثارته من ردود فعل قد كشفت عن المس بعصب بعض البورجوازية وعن وجود أطباء يتمتعون بامتيازات لا يتمتع غيرهم بها. وقال إن الوزارة لن تتورع عن سحب إذن مزاولة المهنة في حال تبين لها أحقية ذلك.
وحرص أبو فاعور على التوضيح أنه خلافا لما اشيع، لم يتوسط الرئيس ميشال سليمان للطبيب في قضية إيللا طنوس، بل اتصل بوالدها من خلاله وأبدى تعاطفا كبيرا مع الطفلة.
وسئل وزير الصحة العامة عن الضمانة حول عدم استمرار التشبيح على الوزارة والقضاء كما حصل، فأجاب أن المعركة مفتوحة وما حصل أخيرا يسيء إلى الطبيب والمريض اللبناني ولا يساعد على تكوين سياحة طبية في لبنان كما نطمح إليه.
وفي موضوع الحكومة، أجاب أن الرئيس تمام سلام يتابع مشاوراته، فيما لا يمكن استمرار التعطيل إلى ما لا نهاية، وقد بدأت تصل مطالبات من أكثر من طرف بضرورة عقد جلسة ونحن من هذه الأطراف.