رأى نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الصحة العامة غسان حاصباني أن الاضطرابات السياسية والاقتصادية والعسكرية التي تختبرها منطقة الشرق الأوسط تستدعي أكثر من أي يوم مضى الحكمة في التعاطي مع شؤون إدارة الدول، واكد أن لبنان كما بلدان المنطقة يعيش في زمن يستدعي اتخاذ قرارات صعبة لكنها مفيدة للمستقبل. واضاف في لقاء مع مجلة "الاقتصاد والأعمال" أن لبنان الذي يعاني من مديونية عالية، بات عليه اتخاذ قرارات حاسمة خصوصاً على صعيد وقف الهدر وتفعيل قوانين الشراكة مع القطاع الخاص وتحقيق الاستدامة في المشاريع التي تنوي تمويل جزء منها الدول المشاركة في مؤتمر سيدر.
الوزير حاصباني عاد اخيراً من زيارة إلى نيويورك حيث ترأس بصفته نائباً لرئيس الوزراء وفد لبنان إلى اجتماعات منتدى الأمم المتحدة الرفيع المستوى الخاص بأهداف التنمية المستدامة 2030. وهناك ألقى حاصباني كلمة الاسكوا حول التنمية المُستدامة، باعتبار أن لبنان يرأس الدورة الحالية للاسكوا. وخلال مشاركته. قدم الوفد اللبناني أول تقرير يصف الوضع الحالي في لبنان مقارنة بالأهداف التي وضعتها الأمم المتحدة للتنمية المستدامة والتي تشمل كافة المجالات الاقتصادية والاجتماعية كالنمو الاقتصادي، الاستثمارات، الصحة، البيئة، المساواة والتعليم وغيرها.
كيف انعكس أداء القطاعات الأساسية في لبنان ضمن بنود كالإستدامة ضمن التقرير والنقاشات التي جرت في نيويورك؟ وما هي المؤشرات التي يقرأها حاصباني في أداء القطاعات الاقتصادية الرئيسية في لبنان من منظور "منتدى الأمم المتحدة" الذي شارك فيه؟ والأهم، ما هي القرارات الصعبة التي يقصدها الوزير حاصباني؟ وما هي الملفات السياسية والإقتصادية التي تتطلّب تحركاً حكومياً سريعاً؟
إستهل حاصباني اللقاء بالتحدث عن مشاركة لبنان في اجتماعات الأمم المتحدة، فقال إن التقرير الذي تم تقديمه هناك شاركت في إعداده كافة الوزارات المعنية على أعلى المستويات، كما شارك في تحضير أجزاء رئيسية منه ممثلون عن المجتمع المدني، ما شكل ظاهرة فريدة من نوعها ميّزت تقرير لبنان بين تقارير الدول المشاركة.
القرارات الصعبة
يقول حاصباني إنه إذا أخذنا في الاعتبار عوامل الاستدامة وشروطها، نجد أنه لا مفرّ من تنفيذ خطط إصلاحية حقيقية في لبنان، وإن الإصلاح يجب أن يكون عنوان المرحلة الحالية. ويضيف: "عندما نقول إصلاحاً فذلك لا يعني عمليات "تجميلية" بل إصلاحاً هيكلياً وبنيوياً يشمل طريقة تعاطي الحكومة مع رسم السياسات العامة للقطاعات. على سبيل المثال، لدينا قانون للشراكة مع القطاع الخاص بالتوازي مع قوانين الخصخصة سواء في مجالي الكهرباء أو الاتصالات، المطلوب إجراء تعديلات قوانين في المجلس النيابي بأسرع وقت ممكن، أو المبادرة إلى تطبيق القوانين الموجودة وتعديلها حسب الحاجة، وبما أن هناك حالياً اهتماماً دولياً بالاستثمار في لبنان يمكننا الاستفادة من هذا الاقبال".
ويقول: "ليس خافياً على أحد أننا إذا لم ننتبه إلى شروط تحقيق الاستدامة من منظور الأمم المتحدة للتعامل مع الاستثمارات التي تأتي إلى لبنان سواء عبر مؤتمر "سيدر" أو غيره، فإننا سنضطر للجوء إلى المجتمع الدولي مرة أخرى طلباً للمساعدة بعد 10 سنوات وسنزيد الديون الدولية على لبنان. أما إذا استخدم لبنان الديون وفق خطة استثمارية وحقق فيها عناصر الاستدامة فإنها ستحقق مردوداً، وأقصد بذلك البنى التحتية والمنشآت والمؤسسات الجديدة التي تحقق إنتاجية للإقتصاد الوطني، وهذا ما لا نقوم به حالياً، إذ نقوم بوضع خطة استثمارية واسعة تتضمن مشاريع يتم تنفيذها للمرة الثانية، لأننا لم نقم بتنفيذها سابقاً بشكل يراعي عامل الاستدامة".
الاستدامة وإدارة الدولة
وحول التحديات الاقتصادية وسُبل التعاطي معها من منظور التنمية المستدامة، يشرح قائلاً: "محركات النمو الاقتصادية واقعة تحت ضغط كبير جداً، ونحن نسمع كلاماً عن خطط واستراتيجيات بعيدة المدى، لكننا يجب أن ننظر في توفير حلول آنية، قبل التأمّل بمستقبل قطاع النفط أو في دور لبنان في إعادة إعمار سورية حيث قد لا يكون هناك دور كبير للبنان، وبحسب ما سمعنا تتضمّن خطة "ماكنزي" الاقتصادية إقتراحات جيدة لكنها للمدى البعيد، أما نحن فنحتاج إلى ورشة عمل فورية تتعلق بما يجب فعله الأسبوع المقبل، لا بما يجب فعله في العام المقبل. المهم أن نشغّل محركاتنا الاقتصادية بسرعة، ويجب ألا يتوقع أحد من مصرف لبنان أن يلعب دور مؤسسات الدولة، أو أن يكون المسؤول الوحيد عن كل الاقتصاد. مسؤولية مصرف لبنان نقدية وليست مالية أو اقتصادية، صحيح أن مصرف لبنان لعب أدواراً اقتصادية في بعض المراحل، لكن هذا حصل بسبب عدم وجود وضوح في الرؤية الاقتصادية على مستوى مجلس الوزراء، وهو ما لم يتوفر في الحكومة الحالية للأسف. ما يجب فعله اليوم، هو النظر إلى الأولويات وتحديدها ووضع خريطة طريق للخطوات المطلوب تنفيذها كي نتمكن من تحريك العجلة الاقتصادية في ظل الأزمات التي تحاصرنا".
وحول تحقيق عناصر الاستدامة الاقتصادية، يقول: "«هل مشكلتنا محصورة فقط في التصدير والاستيراد أي في الميزان التجاري؟ ثانياً، ثمة جزء من اقتصادنا متعلّق بالعقارات والتطوير العقاري، ولا يمكن أن ندعم هذا القطاع بتحريك ملف الإسكان فحسب، إذ يحتاج إلى دعم من خلال تنشيط السياحة وجذب المغتربين اللبنانيين والأجانب الساعين إلى امتلاك منزل، مع العلم أن البعض يتوجه إلى قبرص لشراء عقار نظراً الى توفّر الحوافز مثل الاقامات، وهو ما يلعب دوراً سلبياً تجاه القطاع المحلّي، ولا ننسى أن اللبنانيين المغتربين حذرون إزاء الاستثمار العقاري نظراً إلى غياب الاستقرار السياسي، كما إن عدد السياح انخفض خلال السنوات الماضية بشكل كبير. لهذا نقول، إذ كنا نريد تحريك العجلة الاقتصادية، يجب الالتفات إلى قطاعات كالقطاع العقاري للتشجيع على ضخ استثمارات سياحية وعقارية، ونعتقد أنه على الحكومة اتخاذ خطوات سريعة في هذا المجال، وتوفير حوافز. أما القروض الخاصة بالشركات فيمكن أن تخضع شروطها لتحسينات، فيما يتم تأمين دعم لها وهذا لا يشمل دعم الاستثمار العقاري بل أيضاً دعم الاستثمار التجاري، لأن هذه الشركات ببساطة تشكل العمود الفقري للاقتصاد اللبناني، وتوظف العدد الأكبر من المواطنين، ويجب أن ننتبه إلى أن السياسات الاقتصادية لا يمكن أن تنجح إذا كانت شعبوية".
ثالوث الاستقرار الاقتصادي
ويضيف: "الوضع بحاجة لمقاربة سليمة للنمو المستقر والمستدام، يجب التمييز بين ثلاثة محاور عندما نتحدث عن الاقتصاد وهي: الوضع النقدي والوضع الاقتصادي والوضع المالي. في الشق الأول يقوم مصرف لبنان بجهد جبار للمحافظة على استقرار الوضع النقدي خاصة في ما يتعلق بسعر صرف الليرة والموجودات بالعملات الأجنبية، لكن لا يستطيع مصرف لبنان أن يبقى دائماً اللاعب الوحيد، وهو بحاجة إلى وضع اقتصادي داعم وميزان تجاري متوازن. أما مالية الدولة، فتتطلّب أولاً: تحصيل جيد للضرائب المُقرّة قبل وضع ضرائب جديدة، وضبط الجمارك والحدود وهذه الخطوات توفّر مداخيل مالية كبيرة إذ تم تنفيذها بالشكل الأمثل، أما استبدال الديون SWAP الذي جرى هذه السنة بين وزارة المالية ومصرف لبنان فقد ساهم في تخفيف الأعباء جزئياً خصوصاً على مستوى كلفة الدين، لكن لا نستطيع الاستمرار بإجراء هذا النوع من العمليات المالية، وعلينا التخلّي عن "الفكر الريعي" في إدارة الدولة وتبنّي "الفكر التحفيزي" الذي ينشّط الاقتصاد ويستقطب الشركات الأجنبية الكبرى التي تفضل بيروت كمركز لأعمالها في الشرق الأوسط، إلا أنها تتجه إلى عواصم أخرى سعياً وراء المحفّزات والمعاملة الخاصة في مجالي الرسوم والضرائب، مع العلم أن لبنان إذ أقرّ هذا النوع من المحفّزات لن يضع عبئاً يُذكر على الخزينة كما سيساهم في توظيف اللبنانيين في لبنان بدل توظيفهم في الخارج وسيساهم في تنشيط الاقتصاد وبإعادة بيروت مركزاً للشركات الدولية. وعندما نتحدث عن هذا الدور لمدينة بيروت فإننا لا نخمّن بل نستند إلى مقومات وإلى مراجعات الشركات العالمية الموجودة في عواصم عربية راغبة بتأسيس مكاتب إقليمية لها في عاصمتنا".
لبنان الأول في الصحة
أما في مجال الصحة، فيستهل حاصباني حديثه بدق ناقوس الخطر في ملف الأدوية، ويقول: "علينا الانتباه إلى أن ملف الدواء هو ملف آني وعاجل وحيوي ولا نستطيع أن نخاطر بحياة الناس بسبب الخلافات السياسية. الأولوية بالنسبة لنا في الوزارة هي تخفيض كلفة الدواء، وقد خفّضنا 65 في المئة من الاستثناءات التي كانت تحصل في إعطاء الأدوية للمرضى، ولكن ثمة أدوية جديدة كلفتها أعلى بكثير من الأدوية القديمة، بينما موازنة الأدوية لم ترتفع لهذا نسجّل عجزاً باستمرار، ولأن هذا الأمر لا يستطيع الانتظار، تمّ تقديم اقتراح قانون معجّل مكرّر من كتلة "القوات اللبنانية" لزيادة بند الدواء ضمن الموازنة وهو أمر أجمع عليه النواب من كافة الكتل النيابية، ويجب تمرير هذا القانون في أول جلسة تشريعية، أو أن يتم تأمين إحتياطي من وزارة المالية لسدّ جزء من العجز، وفي حال لم يتم التعامل مع هذا الملف بمسؤولية وسرعة، سنكون أمام حالة إنسانية واجتماعية خطيرة".
أما عن إنجازات الوزارة، والأراء التي تم تداولها خلال اجتماعات نيويورك حول الصحة في لبنان، فيقول: "تمكّنا من إنجاز الكثير من المشاريع بموارد شحيحة، فموازنات الوزارة لم تكن كافية، لكن تضافر قوى القطاعين العام والخاص مكّن من تحقيق تقدم في عدد المشاريع كما مكّن لبنان من التفوّق في مجالات صحية عدة، كما تمكّنا من تخفيض عجز موازنة أدوية الأمراض المستعصية والمزمنة من 84 مليار ليرة العام 2016 إلى ما بين 35 و40 مليار، ولكن لا نستطيع أن نتخلص من هذا العجز لأن ثمة 25 ألف مواطن يستفيدون من موازنة هذه الأدوية، كما إن الضمان الاجتماعي لا يقوم بتغطية كل أنواع الأدوية. وغني عن القول، إن وزارة الصحة لا تستطيع تغطية غياب الضمان في هذا المجال، وفي هذا الوقت، ترتفع كلفة الاستشفاء بالتوازي مع ارتفاع عدد السكان وتطوّر الطب وقدرته المتزايدة على اكتشاف الأمراض بالإضافة إلى انتشار التلوّث، كذلك ترتفع كلفة الكشف عن الأمراض بسبب توفّر الأجهزة والمعدات المتطوّرة. ولهذا، فإن السقوف المالية التي وضعناها للمستشفيات لم تعد كافية، خصوصاً وأن عدد بطاقات دخول المستشفيات التي غطتها الوزارة بلغ نحو 380 ألفاً العام 2017. صحيح أن لبنان هو من بين الدول الأقل إنفاقاً على القطاع الصحي لكنه يحتل المركز الأول من حيث الخدمات الطبية في المنطقة كلها، لكننا لا نستطيع المحافظة على هذا المركز من دون موازنات ومن دون تركيز على تطوير السياسات الاقتصادية والاجتماعية".
ملف البيئة لا يراعي الاستدامة
ويتابع حديثه فيقول "إن المجال البيئي، يشكل ركيزة محورية ضمن عناصر الاستدامة"، ويضيف: "هذا ما قلناه ولمسناه في اجتماعات نيويورك. أداء لبنان في الملف البيئي ليس جيداً، خصوصاً في ما يتعلق بالنفايات لأن الحلول التي يتم طرحها غير مُستدامة، وهذا أمر ينبغي أن نوليه المزيد من الاهتمام للخروج بحلول لديها مقومات الاستمرارية، خصوصاً وأن لهذا الملف تداعيات على مجالات أخرى كالصحة والسياحة وغيرهما، وعلى المدى البعيد ثمة تأثيرات كبيرة لأزمة النفايات. من جانب آخر ثمة بنى تحتية ومرافق عدة تحتاج إلى استثمارات على المديين القريب والبعيد. ومن خلال ترؤسي اللجنة المخصصة للمشاريع الانمائية للمحافظات، كنائب رئيس حكومة، إطلعت على الحاجات والمشاريع الرئيسية للبلديات في لبنان، وتمّ في تلك المرحلة تجميع كل المشاريع المطلوبة، بالإضافة إلى الأولويات والمشاكل، وتبيّن معنا في تلك الفترة أن واحدة من أولى الأولويات هي مسألة المياه النظيفة. واتضح أن لبنان لا يعالج أكثر من 15 إلى 20 في المئة من المياه الآسنة، والباقي يعود إلى الطبيعة. ومن المعروف أن الصرف الصحي في لبنان يحتاج إلى استثمارات هائلة. ولا يتوقف الأمر هنا، إذ إن النفايات والصرف الصحي يضافان إلى مشكلة المقالع والكسّارات التي تلعب دوراً رئيسياً في تدمير كامل منظومتنا البيئية والتي لا تراعي عناصر الاستدامة نهائياً، لكن تبقى النفايات هي التهديد الأكبر لبيئتنا، إذ بحسب "هيومن رايتس ووتش" ثمة أكثر من 170 موقعاً في لبنان يحرقون النفايات في الهواء الطلق بشكل أسبوعي، وهذه المواقع هي مُسبّبات مباشرة للسرطان، لأن حرق النفايات يُطلق مواد مسرطنة يتنشقها السكان في الهواء، وهذه المحارق تُهدّد سلامة المواطنين وصحتهم بشكل مباشر. ونعتقد أن الحلول التي يتم طرحها للتعامل مع أزمة النفايات يجب أن تراعي هواجس الناس، مع العلم أن رفض الناس لبعض الحلول يأتي في وقت لا ينتبهون فيه إلى أن ما يجري حالياً من حرق في مناطق مختلفة يسبب لهم أذية تفوق الأذية الناتجة عن أي إجراء آخر. طرحنا يتلخّص بإيجاد إطار يضمّ المجتمع المدني والإدارات الخاصة بالرقابة الدائمة على أي حلول سواء كانت مطامر أو تفكّكاً حرارياً، وأن يتم وضع نظام يتضمن غرامات مباشرة وتلقائية على من يخالف المعايير البيئية والصحّية. ولأن الثقة مفقودة حالياً بين المواطن والدولة يجب أن تراعي الهواجس وتطمئن إلى وجود معايير ومواصفات لأي حل يتم تنفيذه. لكن في المقابل لا يمكننا أن نوقف العمل والحلول لأن الثقة مفقودة، والرقابة يمكن أن تتم من خلال البلديات وممثلي المجتمع المدني والإدارات المختصّة".
ويضيف: "إذا أردنا حلولاً مستدامة، لا يمكن أن نعتمد نوعاً واحداً من الحلول لمعالجة مشكلة النفايات، إذ كل أنواع الحلول المطروحة تكمّل بعضها بعضاً. يجب أن يتكامل الفرز مع موضوع اللامركزية، لكن في بلد مثل لبنان لا تستطيع أن توسّع من تطبيق اللامركزية في معالجة النفايات، وإلا وقعنا في مشكلة رفع التكاليف. ثانياً، كلما تعددت المراكز كلما واجهنا مشاكل أكبر في توفير الرقابة الضرورية، والعبرة في التنفيذ".
القطاع الخاص جزء من الحل
وينهي حاصباني اللقاء حول ملف الاتصالات والكهرباء فيقول: "الاستدامة والتنمية الصحيحة في ملف الاتصالات تستدعي الاستفادة مثلاً من قانون تنظيم القطاع الرقم 431، وهو ما سيمكّننا من استقطاب استثمارات بمليارات الدولارات خصوصاً وأن أصول قطاع الاتصالات النقالة المتوفرة للبيع عالمياً باتت نادرة، والأصول الموجودة تتعلّق بشركات قائمة وفاعلة وتدرّ أرباحاً كبيرة. وإذا طبّقنا القانون 431 يمكننا أن نرفع عبء إدارة الدولة للبنية التحتية المتعلقة بالاتصالات، والتعامل مع الشركات الخاصة التي تستطيع ضخ مليارات الدولارات إلى الخزينة وتفعيل هذه البنى وتشغيلها وتحقيق استقرار في عائداتها وتعظيم استفادة الاقتصاد اللبناني منها. ويمكن الاستفادة من الأموال التي ستحققها هذه الأصول بتسديد جزء من الدين العام، وتخصيص جزء آخر من الأموال للإستثمار في المشاريع التي أمنّا لها قروضاً دولية وما زالت تحتاج إلى جزء متوجب على الدولة اللبنانية".
أما عن تحقيق الاستدامة في مشاريع وحلول قطاع الكهرباء فيقول: "يجب إلغاء الحاجة إلى الدعم من خلال تحسين إنتاج الكهرباء عبر معامل دائمة وتطوير الشبكة لتخفيض الهدر الكهربائي وتعزيز الجباية، وعندما تُصبح التغذية الكهربائية على مدار الساعة نستطيع تعديل التعرفة لكي نحقق اكتفاءً ذاتياً كاملاً. وفي هذا المجال، يمكننا الاستفادة من القانون الذي ينظم العلاقة مع القطاع الخاص ومن المفترض أن ننشئ هيئة ناظمة. لكن السؤال الآن، لماذا نركز منذ نحو عام على الحلول المؤقتة للكهرباء وغيرها من الحلول غير المستدامة، بينما الحل الدائم لا يحتاج تنفيذه إلى أكثر من سنتين بحسب توصيات الشركات العالمية التي أبلغت حكوماتها بالقدرة على تنفيذ مشاريع توليد طاقة كبيرة في لبنان؟. وقد أبلغتنا ألمانيا وفرنسا صراحة بهذا الأمر بعد مؤتمر "سيدر"، ولماذا من أصل 13 مشروعاً يشكلون عناصر إصلاح القطاع الكهربائي لا يتم طرح سوى مشروع واحد بشكل دائم وهو متعلق بالحلول المؤقتة المتعلقة بالإنتاج الكهربائي من البواخر؟ ولماذا تأخر الاستشاري (IFC) المكلّف بوضع دفاتر الشروط والأطر القانونية والمالية للشراكة وإنشاء المعامل الدائمة منذ العام 2017 ببدء عمله؟ مع العلم أنه يحتاج إلى عام ليُطلق المناقصة، كما إننا لم نفهم لماذا تأخر العمل في تطوير معمل الذوق مع العلم أن تمويله موجود؟. ولماذا يتم الاستغناء عن الامتيازات الكهربائية كما في كهرباء زحلة من دون أن يكون ذلك جزءاً من خطة متكاملة؟ وهل انتفت الحاجة إلى هذه الامتيازات أم أن الأمر يأتي من ضمن تنفيذ مشروع ليس متفقاً عليه ولا هو جزءاً من الخطة الأصلية. عندما تطبّق أجزاء انتقائية من خطة ما فأنت لا تطبّق الخطة المتفق عليها بل تكون في وارد آخر وتعمل على تنفيذ خطة أخرى، كذلك لا يمكنك الانطلاق من مبادئ عقائدية لإدارة الاقتصاد، عندما نقول خصخصة أو شراكة فهذا لا يعني أن القطاع العام فاسد والقطاع الخاص قديس أو العكس، الهدف هو تعزيز الإيرادات في ظل شفافية كاملة بالشراكة مع الشركات العالمية، وهكذا ينخفض تأثير الفساد وتتعزّز المنافسة، وبالتالي نخفّف الأعباء عن الخزينة وتنصرف الدولة للتركيز على الجوانب الاجتماعية كالصحة التي ترزح تحت عجز دائم.